كيف تغدر الاخت بأخيها قصة و عبرة (الجزء التاني)
![]() |
كيف تغدر الاخت بأخيها قصة و عبرة |
كيف تغدر الاخت بأخيها قصة و عبرة (الجزء الثاني)
كان من الممكن أن تستمر حياتهم على هذه الوتيرة لو لم يكن السلطان الذي
يقيم على ضفة الجدول على بعد مسافة منهم معتادا على النزول إلى الجدول ليسقي حصانه
بنفسه ، فذات يوم امتنع الحصان عن الشرب ، وكلما أدنى رأسه إلى الماء رفعه قبل أن يشرب
ولما تكرر ذلك منه مرارا أثار عجب السلطان فانحني على الجدول يمعن النظر فيه ، فشاهد
شعرة مستطيلة ملتفة بين الماء خاف منها الفرس وامتنع عن الشرب فتناول الشعرة بيده ولفها
برفق واحتفظ بها ، وراح يعرضها على جلسائه يسألهم عن من تكون صاحبتها ، وهل هي من الإنس
أو من الجن . تحير الجميع من طولها فقال لهم السلطان:
- الذي سيأتي بصاحبة
هذه الشعرة سأعطيه ما يطلب.
فقال أحد جلسائه :
- لن يحقق طلبك إلا
العجوز الكاهنة.
فأمر السلطان باستدعائها فلما حضرت مجلسه عرض عليها الشعرة وهو يقول لها:
- إذا أحضرت لي صاحبة
هذه الشعرة, سأعطيك
كل الذي تطلبين.
كيف تغدر الاخت بأخيها قصة و عبرة
طوت العجوز الشعرة بطرف خمارها ، وأخذت عصاها وسارت في محاذاة الجدول
لتبحث عن ضالتها حتى وصلت إلى الكوخ الذي تقيم فيه الفتاة مع أخيها فدقت الباب لتستغرب
الفتاة من ذلك لأنها لم تعتد أن يطرق عليها الباب أحد.. فسألت:
- من يطرق الباب؟
- عجوز عابرة سبيل
تطلب لقمة غداء.
أجابتها الفتاة من وراء الباب:
- الله كريم، ليس
لدينا ما نتصدق به.
لم تجبها العجوز ، ولم تعاود طلب الإحسان مرة أخرى وإنما تظاهرت بالتعب
والمرض والجوع، تشكو حالها لنفسها وتدعو الله على نفسها بقولها:
- يا الله موتي ولا
هذه الهينة، أحوجتنا لما في أيد الناس، وذللنا آخر أعمارنا.
كانت العجوز تشكو حالها وتدعي على نفسها والفتاة التي تستمع لها من وراء
الباب ، لترق عواطفها وتلين نحو العجوز كلما أمعنت العجوز في الدعاء على نفسها حتى
ذابت عواطف الفتاة ففتحت الباب لتقدم لها كسرة خبز وجرعة ماء تناولتهما العجوز شاكرة
وجلست تقضم الخبز بأسنانها وتشرب من الماء وتارة تبلل الخبز بالماء قبل أن تأكله والفتاة
ترقبها بصمت.
ما أن انتهت العجوز من الأكل، حتى راحت تتظاهر بالشبع والانتعاش ورفعت
يديها نحو السماء تدعو للفتاة:
- الله يشبع جوعك
، ويكسو عريك ، ويرزقك بابن الحلال ويمتعك بشبابك.
تفتحت أسارير الفتاة وعلاها الفرح لسماعها دعاء العجوز الذي وجدت فيه
عوضا عن مخالفتها أوامر أخيها لأنها أنقذت نفسا مشرفة على الهلاك.
همت الفتاة بالدخول وإغلاق الباب ، إلا أن العجوز التي كان تتأمل في جمال
الفتاة ومحاسنها سألتها:
- مع من تعيشين في
هذا المكان الموحش ، وما كلفك الله لذلك؟
كان لسؤالها وقعا خاصا في نفس الفتاة ، فأجابتها تقول:
- أعيش هنا مع أخي،
ولا أعرف لماذا نحن هنا وحدنا.
تنهدت العجوز وهي تقول:
- من يعيش في هذا
المكان الموحش لوحده إلا من كان مجنونا.
وأردفت متسائلة ؟
- أين أخوك الآن؟
- خرج في الصباح كعادته
للصيد وسيعود بعد منتصف النهار.
عاودت العجوز تنهدها وهي تقول:
- حرام تعيشين وحيدة
في هذا المكان الموحش، يذبل شبابك ويشوه جمالك.
استأنست الفتاة بحديث العجوز وألفت مجالستها وان بقيت خائفة من أخيها
، إلا أن العجوز لاحظت ذلك أردفت تقول:
- أنتِ فتاة شابة
وجميلة لكنك مهملة نفسك لا تغتسلين ولا تعتنين بزينتك.
- أنا أغتسل يوميا
عندما يعود أخي ، ولا أصدق بوجود أي أوساخ على جسمي.
- إذا فأنت لا تعرفين
كيف تتزينين ولا كيف تمشطين شعرك لتحافظي على جمالك ورونق شبابك.
وأردفت تقول:
- سآتي غدا لأعلمك
كيف تتزينين وكيف تمشطين شعرك، لأن جهلك ذلك أثر على جمالك.
لم تجبها الفتاة التي ملأ الفرح نفسها مما سمعت ، وبقيت كعادتها تنتظر
عودة أخيها ، إلا أنها لم تخبره عندما عاد بما جد في حياتها ، وما يدغدغ عواطفها من
أحاسيس ومشاعر زرعتها في نفسها العجوز التي فتحت لها الباب وتصدقت عليها ببعض كسرات
الخبز.
نامت الفتاة متشوقة لصباح اليوم التالي، وللساعة التي يغادر أخوها البيت،
لتقضي فراغها مع العجوز التي أبدت لها رغبتها في تعليمها العناية بزينتها وتمشيط شعرها
والاهتمام بجمالها..
ما إن غادر أخوها البيت مع النمرين حتى تركت الباب مفتوحا على غير عادتها
، تترقب قدوم العجوز الكاهنة إلا أن انتظارها لم يدم طويلا فسرعان ما أقبلت العجوز
ورحبت بها الفتاة وهي تسلم لها قيادتها.
إلا أن العجوز قالت لها:
- لابد من إشرافي
عليك وأنت تغتسلين في الجدول لأتأكد من نظافة جسمك قبل أن أشرع في تعليمك كيف تمشطين
شعرك وترتدين زينتك.
وافقتها الفتاة وسارت معها إلى الجدول ، وتجردت من ملابسها والعجوز تدلك
لها جسمها وترشها بالماء وعندما انتهت من الاغتسال ارتدت ثوبها وقعدت عند قدمي العجوز
لترتب لها شعرها ، فأخذت العجوز تمشط لها شرعها وهي تروي لها القصص والحكايات حتى تأكدت
من سرحانها في المستقبل الذي صورته لها فاجتزت خصلة من شعرها المستطيل وطوته في خمارها
، واستمرت تمشط شعر الفتاة فودعتها منصرفة نحو السلطان لتقدم له الدليل على نجاحها
في المهمة التي كلفها بها.
عندما وقفت أمامه لم تخرج له الشعرة التي طلبها وإنما أخرجت له خصلة شعر
بطول الشعر التي عثر عليها لتبرهن له عمق ارتباطها بالفتاة.
فرح السلطان بذلك أيما فرح وراح يقيس طول الشعرة التي عثر عليها بطول
الخصلة التي عثرت عليها العجوز الكاهنة التي تأكدت من أن الفتاة هي ضالته فقالت له:
- لو أحضرتها إلى
قصرك وجعلتها من بعض نسائك ماذا ستعطيني؟
أجابها السلطان بقوله:
- لك ما تطلبين.
استمرت العجوز تتردد على الفتاة في غياب أخيها لتقص عليها الحكايات وتساعدها
على تمشيط شعرها ، وتستفسر عن حياتها مع أخيها والفتاة تجيبها وتروي لها تفاصيل حياتهما
فتظهر العجوز الإشفاق على شبابها وجمالها من الحياة هناك وتصف لها قصر السلطان والحياة
فيه ، وتزين لها فكرة الهروب معها إلى المدينة لتعيش في قصر السلطان.
رفضت الفتاة فكرة الهروب في بادئ الأمر لتعلقها بأخيها إلا أن استمرار
العجوز في تزيين الحياة لها في قصر السلطان وما سيحيط بها من خدم وجواري ، وما ستتمتع
به من نعيم جعلها تتقبل الفكرة وبقيت تتهيب التنفيذ خوفا من بطش أخيها ، فقالت للعجوز:
- إذا هربت معك أخشى
أن يتتبعني أخي وينكل بي.
فقالت لها العجوز تطمئنها:
- اطمئني من ذلك ،
سيكون مجموعة من حرس السلطان في مرافقتنا.
- أخشى أن يتغلب عليهم
بمساعدة النمرين.
- لن يكون أقوى من
جيش السلطان.
كيف تغدر الاخت بأخيها قصة و عبرة
أطمأنت الفتاة لوعود العجوز وتأكيدها فوافقت على الهروب معها صبيحة اليوم
التالي بعد خروج أخيها ، فانصرفت العجوز متجهة نحو السلطان لتزف له البشرى بأن الفتاة
ستكون في قصره مساء الغد ، وطلبت منه قوة من فرسانه لمرافقتها ومنع أخي الفتاة إذا
لحق بها لإرجاعها ، فأصدر السلطان أمره إلى مجموعة من فرسانه بمرافقتها مستصحبين معهم
حصانه الخاص ليحملها إلى القصر.
في صبيحة اليوم التالي ذهبت العجوز الكاهنة ، وبرفقتها مجموعة من فرسان
السلطان في اتجاه بيت الفتاة ، وعندما قاربت المكان تركتهم هناك وسارت بمفردها لتجد
الفتاة قد حزمت ملابسها بعد خروج أخيها وبقيت تنتظر قدومها ففرحت بمرآها ، وانصرفت
هاربة معها ، وهي تكاد تسابق العجوز في سيرها خوفا من عودة أخيها ، وعندما وصلوا إلى
المكان الذي بقي الفرسان فيه بانتظارهما، اعتلت حصان السلطان الذي أرسل لها ، وواصلت
السير والفرسان يسيرون ورائها متجهين إلى قصر السلطان في المدينة .
عندما عاد أخوها إلى البيت لم يجدها في انتظاره كعادتها وتوهم أنها نزلت
إلى الجدول ، أو خرجت لقضاء حاجتها فناداها ، وتكرر نداؤه لها دون أي يسمع من يرد عليه
فراح يبحث عنها في الأماكن القريبة فلم يعثر لها على أثر..! فعاد يبحث ويفتش في حوائج
البيت ، فوجد ملابسها والأشياء الخاصة بها قد اختفت معها، فأيقن أنها هربت مع غريب
كانت على معرفة به من ورائه، فتذكر وصية والده له بقتلها يوم سفره وعصيانه لأمر أبيه
، الأول ، والثاني ، بقتلها ، وفضل أن يعيش معها في ذلك المكان المقفر وحيدين ، على
أن يعيش بدونها مع أسرته وإذا هي تغدر به وتهرب في أول فرصة لاحت لها.
تذكر ذلك وملأت الحسرة والغيظ نفسه ، فقفز إلى ظهر جواده وهمزه وهو يقول:
- قلبي ، فؤادي ،
حصان ابن هادي دقوا الوادي.
إنطاق الحصان يسابق الريح في
عدوها والنمرين انطلقا خلالها ، وبقي يستحثهم على السير بسرعة ويتمنى لو يطير ليلحق
بأخته ، التي كانت تتسرع في سيرها مثله مخافة أن يلحق بها في الطريق ، فبقيت عيناها
مسمرتين نحو الخلف ترقبانه بدلا من مراقبتها الطريق التي ستوصلها إلى قصر السلطان ،
فلاحظت غبار خيل يسير ورائهم ويقترب منهم ، فبقيت تتابعه حتى غدا على مقربة منها تمكنت
من التعرف عليه ، فصاحت بالعجوز والفرسان قائلة :
- أخي يجري في أثرنا
ولا بد من دخول المدينة قبل أن يلحق بنا.
سمع الفرسان قولها ذلك أسرعوا في السير وأخذوا يتهيئون لملاقاة أخيها.
عندما اقترب الفتى وشاهد فرسان السلطان يتهيئون لملاقاته وتعرف على أخته
راكبة حصان السلطان استل سيفه وهمز حصانه وقال:
قال ذلك وحمل عليهم يضرب بسيفه والنمران يبطشان بمخالبهما، وينهشان بأنيابهما
فرسان السلطان الذين حاولوا الصمود والوقوف في وجه الفتى دون جدوى فلم يجدوا بداً من
الهروب للنجاة بأرواحهم نحو أبواب المدينة وعندما اجتازوها أوصدت في وجه الفتى ليحولوا
دون استعادته لشقيقته.. لكن الفتى قرر أن يستعيد أخته التي غدرت به بأي ثمن..
يتبع......
التعليقات